فصل: البحث الرابع مبادئ العلم بمنافع الأعضاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.البحث الثالث إثبات منافع الأعضاء:

قد منع قوم من الأولين منافع الأعضاء، وقالوا إنها لم تخلق لمنفعة بعينها وأنها هي وغيرها إنما وجدت بالاتفاق، وذلك لأن الفضاء عند هؤلاء فيه أجزاء لحمية، وأجزاء عظمية، وأجزاء أرضية، وأجزاء سماوية وغير ذلك. وإن هذه الأجزاء دائمة الحركة، فإذا اتفق منها أجزاء اجتمعت فصارت مثلًا أرضًا أو سماءً أو فرسا ونحو ذلك. فإن صلح ذلك للبقاء بقي، فإن صلح مع ذلك للنسل نسل، واستمر نوعه بالتواليد وما لم يصلح لذلك فتي وفسد.
ولا امتنع عند هؤلاء في أن يوجد ما نصفه إنسان ونصفه سمكة أو بغل ونحو ذلك، وليس شيء من ذلك مقصودًا بحكمة أو غرض ولعل في ذلك الفضاء عوالم لا نهاية لها، ونباتات، وحيوانات على هيئات غير معهودة عندنا.
والحق أن هذا باطل، وأن الله تعالى، وإن كان لا يفعل لغرض، فأفعاله لا تخلو عن الحكم، ولولا ذلك لكان هذا الوجود عبثًا وهو محال، وتحقيق هذا إلى علم آخر.
والذي ينبغي أن نقوله الآن: أن الخالق تعالى وحده لعنايته بهذا العالم يعطي كل متكون ما هو له أفضل من الجوهر والكم والكيف وغير ذلك. فأي شيء من ذلك علم وجوده لعضو علم كذلك ظن أنها هي الغاية، وإن كان يجوز أن تكون خلقته لذلك لسبب آخر خفي عنا لا لما ظنناه منفعة.
فقولنا مثلًا: إن الرأس خلق مستديرًا ليكون بعيدًا عن قبول الآفات معناه أن هذا يصلح لأن يكون غاية، لا أنا نجزم أنه إنما خلق مستديرًا لذلك فقط.
ولذلك فإنا نذكر للشيء الواحد منافع كثيرة، ويجوز أن تكون المنفعة الخفية هي مجموع تلك المنافع لا واحدة منها. ويجوز أن تكون غير المجموعة وغير كل واحد مما ذكر.
والله أعلم بغيبه.

.البحث الرابع مبادئ العلم بمنافع الأعضاء:

إنه ليس يكفي في تعرف منافع الأعضاء مشاهدة تلك الأعضاء بل لا بد مع ذلك من نظر واستدلال، وذلك الاستدلال إما أن يكون بأمر عدمي أو بأمر وجودي.
أما الاستدلال بالأمر العدمي، فإما أن يكون عدمه طبيعيًا أو لا يكون كذلك. والأول كما يستدل بعدم نبات الشعر في باطن الكف على أن فائدة ذلك أن يكون إحساس الكف قويًّا، لأن الشعر لا بد وأن يحول بين الحس والمحسوس فيضعف إدراكه له، وكما يستدل بعدم اللحمي المائي لموضع الأخمص على فائدة ذلك، أن تكون للقدم إحاطة بالموطئ، فيكون المشي على المحدبات متأنيًا.
والثاني: كما يستدل على فائدة العرق الآتي من الطحال إلى فم المعدة هي أن السوداء تنصب منه إلى هناك منبهة على شهوة الطعام بأن ذلك الانصباب إذا فقد بطلت الشهوة.
وأما الاستدلال بالأمر الوجودي. فإما أن يكون ذلك الأمر جوهرًا أو عرضًا أو مجتمعًا منهما. وكل واحدة من هذه إما أن تكون عضويًّا أو لا يكون كذلك.
فهذه ستة أقسام: الأول: أن يكون المستدل به جوهرًا عضويًّا. وذلك كما يستدل بخلقة الكلى لحمية على أن ذلك ليشتد جذبها للمائية، لأن الجوهر اللحمي أشد سخونة من غيره. والجذب يشتد بالحرارة.
الثاني: أن يكون جوهرًا غير عضوي، وذلك كما يستدل بالرطوبات اللزجة التي على السطح الداخل من الأمعاء على أن فائدتها أن يكون جرم الأمعاء قويًّا على ملاقاة الثفل.
الثالث: أن يكون عرضًا عضويًّا، أي قائمًا بعضو وأقسامه تسعة أحدها: كميات الأعضاء، أما الكمية المتصلة، وهي المقدار، فكما يستدل بكبر عظم الفخذ على أن فائدة ذلك أن يكون قويًّا على حمل ما فوقه ونقل ما تحته.
وأما المنفصلة: أعني العدد. فكما يستدل بكثرة عدد الأصابع والأنامل وعظام المشط والرسغ، على أن فائدة ذلك أن يكون الاشتمال على المقبوض جيدًا.
وثانيها: كيفيات الأعضاء، أما الكيفيات الملموسة، فكما يستدل بشدة حرارة القلب على أن منافعه إحالة الدم إلى الجوهر الروحي، وببرودة الدماغ على أن فائدته تعديل الروح الآتي إليه من القلب حتى يصلح لأن يصدر عنها أفعال الحس والحركة الإرادية.
وأما الألوان، فكما يستدل بلون طبقة العنبية على أن فائدتها جمع الروح الذي في العين وتقويته.
وأما الصلابة واللي، فكما يستدل بشدة صلابة العظم الوتدي على أن فائدته أن يكون حشوًا بين الفرج التي للأعضاء ووطًا للبدن.
وأما الأشكال فكما يستدل باستدارة الرأس على أن فائدة ذلك أن يقل قبوله للآفات، وأن يكون تجويفه أوسع. وتفرطح مؤخرة المعدة، على أن فائدة ذلك تبعيدها عن الصلب لئلا يتضرر بملاقاته.
وثالثها: إضافات الأعضاء كما يستدل بمجاورة الثرب والكبد للمعدة على أنهما نافعان في إسخانها ليكون هضمها أتم.
ورابعها: وضع الأعضاء كما يستدل بميل رأس القلب إلى الجانب الأيسر على أن ذلك ليكون الجانبان متعادلين فن الجانب الأيمن يشتد تسخنه بحرارة الكبد.
وخامسها: كون العضو في مكان ما، كما يستدل بخلقه الحجاب بين آلات الغذاء، وآلات التنفس على أن ذلك ليمنع نفوذ قذارات هضم الغذاء في المعدة إلى القلب ونواحيه. وبخلقة الأضلاع في الصدر على أن ذلك ليكون وقاية للقلب من كل جانب.
وسادسها: كون العضو في زمان، كما يستدل بنبات النواجذ في وسط سن النمو على أن فائدة ذلك الاستظهار في تكثير آلات الغذاء.
وسابعها: كون العضو في محيط يلزمه. كما يستدل بكون الكبد والطحال في غشاء على أن فائدة ذلك إفادتهما حسًا بالعرض.
وثامنها: كون العضو مؤثرًا. كما يستدل بتصغير الأسنان للمأكولات على أن فائدتها إعانة المعدة على فعلها، وهو هضم الغذاء.
وتاسعها: كون العضو منفعلًا كما يستدل بتأثير الأمعاء عن لذع المرار على أن فائدة ذلك تنبيه القوة الدافعة على دفع الثفل.
الرابع: أن يكون المستدل به عرضًا غير عضوي. كما يستدل بلون الرطوبة الزجاجية على أن فائدتها أن تكون غذاء الجليدية. لدلالة لونها على أنها استحال إلى مشابهة الجليدية بعض الاستحالة.
الخامس: أن يكون المستدل به مركبًا من جوهر وعرض، وهو عضو وذلك كما يستدل بالشحم الكثير الذي على القلب أن فائدته ترطيب القلب بالدهنية فلا تجف لقوة حرارته مع دوام حركته.
السادس: أن يكون المستدل به مركبًا من جوهر وعرض، وهو غير عضوي، وذلك كما يستدل بالروح المحوى في باطن العينين على أن فائدته تأدية ما يصل إلى العينين من أشباح المرئيات إلى أمام القوة الباصرة.
والله ولي التوفيق.

.البحث الخامس هيئة التشريح وآلاته:

أما تشريح العظام والمفاصل ونحوهما فيسهل في الميت من أي سبب كان موته. وأسهل ذلك إذا مضى على موته مدة فني فيها ما عليه من اللحم وبقيت العظام متصلة بالأربطة ظاهرة. فإن هذا لا يفتقر فيه إلى عمل كبير حتى يوقف على هيئة عظام، ومفاصله.
وأما تشريح القلب والشرايين، والحجاب والرئة، ونحو ذلك، يتوقف على كيفية حركتها. وهل حركة الشرايين مصاحبة لحركة القلب، أو مخالفة وكذلك حركة الرئة مع حركة الحجاب.
ومعلوم أنه إنما يوقف عليه في تشريح الأحياء، ولكن يعسر ذلك بسبب اضطراب الحي لتألمه.
وأما تشريح العروق الصغار التي في الجلد، وما يقرب منه فيعسر في الأحياء لما قلناه، وكذلك في الموتى الذين ماتوا بمرض ونحوه. وخصوصًا إذا كان من الأمراض يلزمه قلة الدم والرطوبات فتختفي تلك العروق، كما في الإسهال والدق والنزف.
وأسهل تشريح هذه ما يكون في ميت مات بالخنق، لأن الخنق يحرك الدم والروح إلى خارج فتمتلئ هذه العروق وتنتفخ. ويلزم أن يكون ذلك عقيب الموت، لأن الزمان إذا طال جمد ما يكون في هذه العروق من الدم فيقل حجمه، ويلزم ذلك نقصان انتفاخ تلك العروق.
قال جالينوس: إن عادتي أن أخنق الذي أريد تشريحه بالماء كيلا يرتض أو يتفسخ شيء من أجزاء العنق لو خنق بحبل ونحوه.
والله ولي التوفيق.

.القسم الأول: صور الأعضاء الباطنة:

.الجملة الأولى: العظام:

.الفصل الأول: قول كُليّ في العظام:

الشرح العظم عضو تبلغ صلابته إلى حد لا يمكن ثنيه، وهذا التعريف تدخل فيه الأسنان فإن أردنا خروجها زدنا في التعريف قولنا: منوي أو فاقد الحس لقولنا عضو منوي تبلغ صلابته إلى حد لا يمكن ثنيه أو نقول: عضو فاقد للحس تبلغ صلابته إلى حد لا يمكن ثنيه. والمفصل في اللغة موضع الانفصال وقد نقل جالينوس عن بقراط ما يقرب من ذلك إذ قال: إنه يسمى رأس العظم المستدير الذي يدخل في العظم الآخر مفصلاً.
وأقول: إنما هذا لأنه موضع الانفصال.
وأما المشهور والمستعمل فإن معنى المفصل عند الِأطباء هو موضع التقاء عضوين التقاء طبيعيًّا وإنما قلنا التقاء طبيعيًّا ليخرج التقاء العظام وإنما سمي ذلك مفصلًا لأن هناك ينفصل جرم كل واحد من العظمين من الآخر.
قال جالينوس: المفصل تأليف طبيعي للعظام وفي بعض النسخ عوض التأليف تركيب.
والتأليف أولى لأنه ضم شيء إلى شيء بينهما تأليف أي تناسب.
وتركيب المفصل لا بد وأن يكون كذلك لأن الجزأين لا بد وأن يكون بينهما تناسب في المقدار والشكل ونحوهما.
لكن جالينوس قال بعد ذلك: ومعنى قولي تركيب وتأليف ومجاورة وملاقاة معنى واحد واعلم أن هذا الحد مشكل من وجهين: أحدهما: أن المفصل ليس بتأليف ولا تركيب بل هو متألف فإن التأليف هو ما يفعله المؤلف وذلك يرتفع عند ارتفاع فعله.
وثانيهما: أن العظام الملتحمة بالطبع يصدق على لحامها أنه تأليف طبيعي وهو عند جالينوس ليس بمفصل لأنه قال: إن تركيب العظام على قسمين أحدهما على جهة والمفصل على جهة الالتحام.
قال: والالتحام اتحاد طبيعي للعظام.
بقي ههنا بحث وهو لزوم أن يشترط في المفصل أن يكون من عظمين كما هو ظاهر كلام جالينوس حيث يشترط ذلك.
فإن كان الأول لم يشترط التقاؤهما إذ أكثر المفاصل لا بد وأن يكون بين عظمها إما غضروف واحد كما في عظام القص وإما غضروفان كما في المفاصل المتحاكة كمفاصل اليدين والرجلين.
فإن كل عظم منها على رأسه غضروف فيكون الالتقاء بين الغضروفين لا بين العظمين.
فإن كان الثاني فلا يكون المفصل فالالتقاء شرط.
وأما أي هذين أولى فلقائل أن يقول إن الأول أولى لأنه الظاهر من كلام الأطباء لأنهم يقولون مفاصل عظام القص ومفاصل عظام اليدين والرجلين.
ولقائل أن يقول: بل الثاني أولى: لأنه المفهوم في العرف الظاهر العام من اصطلاح الأطباء لذلك.
وأنه أقرب إلى المفهوم اللغوي. والذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الثاني أولى.
وقول جالينوس: تأليف طبيعي للعظام وقول الأطباء عظام القص أو مفاصل عظام اليدين والرجلين يريدون بالعظام ها هنا ما يدخل فيه الغضاريف التي بين العظام فإن الناس من عادتهم أن يعدوا هذه من العظام.
وعلى هذا فالمفاصل منها ما يكون من عظمين كعظام الرأس ومنها ما يكون من غضروفين كالمفاصل التي بها الحركة في العظام الكبار التي في اليدين والرجلين.
ومنها ما يكون بين عظم وغضروف كمفاصل القص وكتلك التي في اليدين والرجلين التي بين العظام والغضاريف في أطرافها هي وإنما ابتداء الأطباء في التشريح بالعظام لأمرين: أحدهما: أنها في مباشرة التشريح تظهر أو لًا لأجل تميزها في الحس لأجل كبرها ومتابعة أشكال الأعضاء كلها بشكلها.
وثانيهما: أن الابتداء ينبغي أن يكون بالأعضاء البسيطة لتقدم العضو البسيط على المركب في الطبع وأولى البسائط بالتقدم هو العظام فإن كل عضو ذي عظم فإن تكون عظمه متقدم على تكون جميع أجزائه كما أن شكله تابع لشكل عظمه. وإنما يكون ذلك إذا كان تكون العظم أو لًا.
فإن قيل: كان ينبغي أن نبتدئ أو لًا بتشريح العضو الذي يتكون أو لًا وهو القلب أو الكبد أو الدماغ أو السرة على اختلاف الآراء.
قلنا: معنى قولهم إن هذه الأعضاء إنما تتكون أو لًا لا بمعنى خلقتها تتم قبل تتمة خلق العظام فإن من جملة أجزاء الرأس عظام القحف.
فكيف يكون تكونه قبلها بل معنى ذلك أن ابتداء فعل المصورة هو في هذه الأعضاء.
ولكن تخلقها يتأخر والجسم الصلب من كل حيوان منزلته بمنزلة العظام من الحيوان الذي له عظم وتختلف الحيوانات بحسب ذلك.
فمن الحيوانات ما لا يوجد ذلك فيه البتة كالدود وبعض السمك وهذا الحيوان يكون واهي الخلقة لا محالة ومنها ما يوجد ذلك فيه فإما في ظاهره فقط أو في باطنه فقط.
أو يكون متفرقًا بينهما في بدنه.
والأول إما أن يكون ذلك غليظًا جدًّا كما في السلحفاة رقيقًا جدًّا كما في المحرزات أو متوسطًا بين هذين كما في السرطان والثاني: وهو أن يكون الصلب في الباطن فقط وذلك كما في مالاقيا والثالث: إما أن تكون تلك العظام كلها شديدة الصلابة مصمتة وذلك كما في الأسد.
أو لا تكون كذلك وذلك كما يكون في الإنسان والفرس وعظام الإنسان تنقسم بوجوه من القسمة.
أحدها: بحسب قوامها.
فإن منها ما هو شديد الصلابة كالعظم الوتدي ومنها ما هو شديد اللين بالنسبة إلى باقي العظام كعظام اليافوخ خاصة مقدمه.
ومنها ما هو متوسط بين هذين القسمين كعظام اليدين والرجلين.
وثانيها: بحسب العدد.
فإن من العظام ما إنما يوجد في البدن من نوعه عظم واحد فقط كالعظم الوتدي والعظم اللامي.
ومنها ما يوجد منه عظمان كعظمي الكتف وعظمي العضدين وعظمي الفخذين ومنها ما يوجد منه أربعة فقط كعظام الساعدين وعظام الساقين.
ومنها ما يوجد منه أكثر من ذلك كعظام الأنامل وعظام الكفين والقدمين وعظام الأضلاع والفقرات.
ثالثها: بحسب المقدار.
فإن منها ما هو عظيم جدًّا كعظمي الفخذين ومنها ما هو صغير جدًّا كالعظام السمسمانية.
ومنها ما هو بين هذين إلى الصغر كعظام الأنامل وعظام المشط والرسغ أو إلى العظم كعظام الساقين والزندين والعضدين.
وقد قسم الشيخ العظام في هذا الفصل بحسب أمور ثلاثة نحن نضع كل واحد منها في بحث يخصه. والله ولي التوفيق.